- August 26, 2025
- Posted by: admin
- Category: مدونة أشرف

هل يبدأ فعل الثقافة من الصفحة الأولى، أم من الصورة التي تفتح أبواب المعنى قبل الحبر؟ ✨
لطالما همستُ في آذان أصدقائي من مديري التحرير وأهل الثقافة بأن الفعل الثقافي ليس حادثةً عابرة تُختزل في نصٍّ مطبوع أو صفحةٍ أخيرة، بل هو منظومة متكاملة تبدأ قبل الحبر والغلاف، وتستمر حتى آخر ارتداد في ذهن القارئ.
ولعل المفارقة تكمن في أمثال الشعوب: العرب قالوا “المكتوب يُعرف من عنوانه”، بينما يقول المثل الإنجليزي: “Don’t ever judge a book by its cover”.
وبين الحكمة العربية والمثل الغربي، يبقى الغلاف النص الأول الذي يجرّنا نحو المعنى.

غلاف الإيكونومست لهذا الأسبوع يقدّم درسًا في الذكاء الرمزي: لمسة “ريترو” تستحضر صورة العائلة الأمريكية في خمسينياتها، وفي قلب المشهد تتسلّل قطعة سيليكون عملاقة إلى المائدة، كأنها ضيف غير مألوف على وليمة عائلية. لكن المعنى الأعمق يتجاوز “المنزل” بالمعنى الحرفي، ليشير إلى “الوطن الأم”: إلى الحلم الأميركي باستعادة صناعة الرقائق الإلكترونية داخل حدوده بعد عقود من الاغتراب في الشرق الآسيوي.
هنا يكمن سر الغلاف: مزج الماضي بالحاضر، الألفة العائلية بالرهان الاستراتيجي، وذاكرة البيت الأميركي بحدود التكنولوجيا المعاصرة. وكأن المجلة تقول إن “صناعة المستقبل” لم تعد شأنًا بعيدًا في وادي السيليكون وحده، بل مشروعًا وطنيًا يعيد رسم مائدة أميركا ذاتها، ويمتد أثره إلى وعينا وذاكرتنا الجماعية.
أنتم… هل تقرأون الغلاف أم تنتظرون النص؟
📌 هامش: أصل المثل الإنجليزي “Don’t judge a book by its cover” يعود إلى الأدب الإنجليزي في القرن التاسع عشر، حيث وردت صيغة شبيهة به في رواية George Eliot عام 1860: “Don’t judge a book by its binding.” وانتشر لاحقًا في الثقافة الأمريكية منتصف القرن العشرين ليصبح من أكثر الأمثال تداولًا عالميًا.